الرائع من يناير: يوم الروائع وإعادة الألق للنبوغ العربي

من يتصفح كتب التاريخ ومن يقرأ سير رجالاته وقاداته يوقن كل اليقين أن بعض القادة نِعَمٌ وهبات للشعوب ينعم الله بها عليها ويهبها إياها، وأن عظمة القائد إنما تقاس باتساع دائرة تأثيره وأعماله الإنسانية، وأن من القادة من يشيد أو يستعيد مدينة أو دولة أو إمبراطورية، ومنهم من يقيم أو يستأنف حضارة، وهذا النوع الأخير من القادة هو الأندر والأخلد ذكراً في التاريخ: قادة وبناة الحضارات. 

في الرابع من يناير، تطل علينا الذكرى الثامنة عشرة لتولي سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، مقاليد الحكم في دبي، وقد تحققت على يدي سموه لدبي وللدولة وللمنطقة العربية على اتساعها منجزات فريدة لم نشهدها على مدى عقود بل قرون سابقة، بفضل رؤية قدمت نموذجاً عربياً لا مثيل له في العصر الحديث في الحكم والقيادة والإدارة، وتمثلت منارة معرفية وفكرية تنير مستقبل الأجيال العربية.

في الرائع من يناير نحتفي بقائد استثنائي أتى برؤية شاملة للمستقبل تمكن بها من أن يجعل من دبي أيقونة للتميز العالمي متقدمة على مراكز عالمية راسخة السمعة والصيت الدولي، حتى أصبحت دبي قبلة المبتكرين والمبدعين والموهوبين والرواد من كل أرجاء المعمورة، كذلك نجح القائد الاستثنائي من خلال موقعه في رئاسة مجلس الوزراء أن يضع دولة الإمارات على خريطة المنافسة في مجالات كثيرة وعديدة، أهمها كانت ما تزال حكراً على الدول الكبرى ومنها قطاع الفضاء.

لم يكتف القائد الفذ وقد أحل دبي ذلك المحل الأرفع بين كبريات مدن العالم، ولم يكتف أيضاً وقد نقل دولة الإمارات إلى حلبات ومضامير المنافسة على مستويات متقدمة مع كبرى حواضر العالم، بتصدرها مؤشرات التنافسية العالمية بجدارة واستحقاق بفضل استراتيجية شاملة لتطوير خدمات وأداء العمل الحكومي المحلي والاتحادي، أقول لم يكتف، وحُقَّ لسموه ألا يكتفي، فراهن على جينات التفوق العربية وعراقة الروح العربية التائقة إلى الانبعاث الحضاري، فآلى أن يأخذ على عاتقه إعادة المجد العربي واستعادة العصر الذهبي للحضارة العربية.

تحت مظلة هذه المنظومة الشاملة والمتكاملة لاستئناف الحضارة العربية والتي انبثقت من رؤية سيدي صاحب السمو لك أن تعدد العديد من المشاريع والمبادرات (التي رأى النور كثير منها يوم الرائع من يناير، لذلك كانت من الروائع)، فمن مشروع تحدي القراءة العربي، إلى صناع الأمل، إلى مشروع استئناف الحضارة، إلى جائزة الشيخ محمد بن راشد للغة العربية، وجائزة الشيخ محمد بن راشد للمعرفة، ومكتبة الشيخ محمد بن راشد، ومتحف المستقبل، وصولاً إلى مبادرة نوابغ العرب، الحراك العربي الأكبر الذي يقوده متحف المستقبل، مركز هذا الحراك العلمي العصري الجديد، للإشراف على النوابغ وأصحاب المواهب الاستثنائية من العلماء والمفكرين والمبتكرين.

يعلم كل قارئ للتاريخ أنه كان ملمحاً أساسياً من ملامح الحضارة العربية الإسلامية في عصورها الذهبية اهتمام الخلفاء والأمراء وأصحاب الجاه والمكانة بالعلماء وأولي الفكر وأصحاب الاختراعات والاكتشافات، حتى لتجد أن أكثر حقب هذه الحضارة ازدهاراً هي تلك التي كان فيها هؤلاء العلماء أدنى المقربين من الخلفاء والحكام، حتى طارت شهرة تلك الجوائز التي كان يمنحها الخلفاء والحكام للعلماء بهدف الحض على الإبداع والتشجيع على تطوير العلوم.

وإنك لو تأملت سيرة الدول ومراحل تطورها، لوجدت التقدم والازدهار حيث تجتمع في الزمان والمكان النخب المعرفية والفكرية والعلمية، وحيث تتلاقى الطاقات والمواهب الفذة في فضاء الإبداع والابتكار، فتاريخ الازدهار هو تاريخ الأفكار، ولا ابتكار دون أفكار، والأمم ليس أمامها، حسب تعبير سموه، سوى الاختيار بين الابتكار أو الاندثار.

ولقد أعاد سموه توجيه البوصلة العربية نحو شمال الابتكار والإبداع، نحو شمال البناء والإنجاز، نحو شمال المستقبل العربي الزاهر، وأخذ على نفسه عهداً بإطلاق المارد العربي من قمقم التوجهات العقيمة الذي قبع فيه قرابة ألفية مظلمة، لذلك يحل علينا هذا الرابع من يناير وقد مرت ثمانية عشر عاماً من مسيرة إطلاق مقدرات الشباب العربي وإمكاناته الهائلة، ثمانية عشر عاماً من سباق التميز العربي وصناعة الأمل العربي وتسليط الضوء على القدوات الجديرة بالإبراز والرعاية، ولا عجب فقد أراد سموه للفارس العربي أن ينهض من الكبوة العارضة ليسترد مكانته في سباق الحضارة، وللنبوغ العربي أن يستعيد ألقه الباهر وللإبداع الحضاري العربي أن يستأنف حضوره العالمي.

وها هو القائد العربي النابغة يعتزم تكريم واحتضان ألف نابغة عربي متميز بعد زهاء ألف من السنوات العجاف التي كف فيها العرب عن المساهمة في المسيرة الحضارية للإنسانية، ليبرهن للعالم أن عبقرية هذه الأمة ما تزال على قيد الحضارة، وأن رحم هذه الأمة لم تعقم عن إنجاب العقول الاستثنائية المبدعة، وليعكس دفة سفينة هجرة الأدمغة العربية، وليعيد للمكون العربي في الحضارة الإنسانية دوره التاريخي البارز.

في يومكم الرائع من يناير، نشكركم سيدي على هذه الروائع، ونقول لقد أكرمنا الله بكم سيدي حاكما ًوقائداً وزعيماً عربياً انتظرته الأمة طويلاً لاحتضان نوابغها والاحتفاء بمبدعيها وتكريم علمائها، لأن الأمة التي تكرم مفكريها ومبدعيها ونوابغها، كما قلتم سيدي، هي أمة جديرة بالسيادة والريادة.