تقديم

"الجودة ومستقبل التعليم العالي" موضوع كان حاضراً دائماً في مخيلتي منذ بدأت مسيرتي على طريق الجودة في أواخر العام 1998 . كنت دائماً أتساءل كيف يكون التعليم العالي إذا تبنى مبادئ ومعايير الجودة؟ هل يتغير جوهره أم يقتصر الأمر على مجرد التغيير في مظهره الخارجي والصورة التي يبدوعليها؟ إذا كان التغيير لا يتجاوز الشكل والصورة الخارجية دون أن يتعدى إلى الجوهر لم يكن لذلك أي علاقة بالجودة وإنما مجرد صورة من صور الخداع والتدليس.

لم يكن الأمر عندي يقتصر على بعض الأفكار التي طالما ترددت بين المهتمين بشؤون التعليم مثل تطوير المناهج، وتدريب المعلمين، وتقليل كثافة الفصول الدراسية. ولكني كنت أفكر فيما يتجاوز ذلك بكثير. كان لدي اقتناع راسخ بضرورة أن يقترن تقديم الخدمة التعليمية بثورة فكرية حقيقية تقدم التعليم في إطار جديد يجعله متاحاً للجميع على نحو فعلي لا مجرد شعارات... إطار جديد يقوم على تعظيم دور المتعلم في العملية التعليمية، بحيث يكون دوراً إيجابياً لا يقتصر على مجرد التلقي... إطار جديد يحقق المرونة وييسر الاتصال بين المعلم والمتعلم... إطار جديد يركز على توسيع وتنويع مصادر المعرفة دون أن تقتصر على الكتاب المقرر... إطار جديد يهتم بالاستفادة من التكنولوجيا الحديثة وتفعيل دورها في نقل العلم وتداول المعرفة بين المعلمين والمتعلمين في مختلف بقاع الأرض.

وقد بدأتُ أولى خطوات تجسيد هذا الفكر في العام 2002 مع تأسيس جامعة حمدان بن محمد الذكية والتي يرجع الفضل في تأسيسها إلى صاحب المبادرة الأولى في التعليم الذكي سيدي صاحب السمو الشيخ/ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيسالدولة، رئيس مجلسالوزراء، حاكم دبي الذي بارك هذه الخطوة وأعطى إشارة البدء في تشييد هذا الصرح العلمي الجديد، والذي عهد به إلى ولي عهده الكريم سيدي سمو الشيخ/ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، الرئيس الأعلى للجامعة الذي تبنى هذه الجامعة ويسر لها كافة أشكال الدعم المادي والمعنوي، وبفضل ما أفاض عليها من رؤية وتوجيه ، أصبحت أول جامعة معتمدة ترفع لواء التعليم الذكي في المنطقة، ومنارة يهتدي بها كل الساعين إلى استلهام هذا الفكر الجديد.

وقد استودع سموه أمانة هذه الجامعة صاحب الإنجازات المتميزة معالي الفريق / ضاحي خلفان تميم، نائب رئيسالشرطة والأمن العام بدبي، رئيس مجلس أمناء الجامعة الذي حمل الأمانة وهو أهل لها ويقوم بأدائها على خير وجه، جزاه الله عنا خير الجزاء، فلولا هذا الرجل ما قدر لهذه الجامعة أن تصل إلى ما وصلت إليه اليوم، ولا أن تقوم بدور تنويري رائد وغير مسبوق على الصعيد الوطني والعربي والإقليمي.

وفي الجامعة بدأتُ مشروعاً علمياً جديداً يجسد الحلم الذي طالما تطلعت إلى تحقيقه على أرض الواقع، حيث قمت بتحديد المحاور الأساسية التي يجب أن تشملها الجودة في التعليم العالي فكانت عشرة محاور أساسية تمثلت في الطلاب، وهيئة التدريس، والبرامج الدراسية، والبيئة الدراسية، والمكتبة، والمرافق المساعدة، وتقييم الطلاب، وخدمة الطلاب، والخطة الاستراتيجية.

وتحت هذه المحاور ، وضعت العديد من المؤشرات الفرعية بما يستهدف ضبط عملية التطبيق في الواقع العملي، وبما يتفق ومستقبل التعليم العالي الذي نتطلع إليه، بحيث يفي بمعايير التنمية البشرية ويعزز دورها في خدمة المجتمع، ودعم البيئة المحيطة.

وبالإضافة إلى المحاور العشرة، تناولتُ محوراً آخر ينبغي التركيز عليه باعتباره المحور الذي سوف يكون له النصيب الأوفر في تحقيق نقلة نوعية ويمثل قفزة عملاقة إلى الأمام في مسيرة التعليم العالي، وهو التعليم الذكي الذي يُعد بمثابة المحور الحادي عشر الذي يكتمل به تطوير مستقبل التعليم العالي على النحو الذي أتطلع إليه. وفي سبيل تحديد مسار عملية التطبيق حددت عناصر التعليم الذكي ومرتكزاته، وموقع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات منه على نحو واضح دون لبس أو إبهام.

وفي سبيل نشر هذا المنهج الذي كتب الله سبحانه له النجاح وتم تطبيقه بجامعة حمدان بن محمد الذكية ، آثرت نشره في هذا الكتاب تحت عنوان "الجودة ومستقبل التعليم العالي" ، وقد اشتمل على ثلاثة فصول، حيث خصصت الفصل الأول للجودة في مؤسسات التعليم العالي، وكان من أهم ما تناوله المحاور العشرة للجودة التي سبقت الإشارة إليها. ثم جاء الفصل الثاني ليتناول الجودة في التعليم الذكي بصورة تفصيلية تتناسب وحداثة هذا النمط الجديد من التعليم. أما الفصل الثالث فيتناول مقياس العور " Alawar Scale " ، وهو مقياس للجودة بالجامعة قمت بصياغته على شكل أسئلة، بحيث يساعد المسؤولين عن الجامعات في التعرف على موقع جامعاتهم من الجودة ومستقبل التعليم العالي.

لمزيد من المعلومات أو لشراء الكتاب