الجامعة الذكية واستئناف الحضارة: التعاون مع الوزارة المصرية مثالاً

قطعت الجامعة مشواراً طويلاً منذ انتقلت من عالم الأفكار إلى عالم الواقع، وحقّقت كثيراً من المنجزات وراكمت كثيراً من المكتسبات. وغنيٌّ عن القول أن ذلك ما كان بالإمكان لو لم تكن هذه الجامعة كوكباً يدور في فلك رؤية سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي.

ومؤخراً كان لفصلٍ آخرَ أن يُضاف إلى فصول قصة نجاح الجامعة الذكية: تبادل التجربة الوطنية في التعليم الذكي من خلال تعاون على مستوى وزاري رفيع المستوى، بما يعمل على إدخال هذا التعليم العصري إلى أقطار المعمورة العربية من أوسع الأبواب. لكن مع من سيكون هذا التبادل؟ مع مصر، رائدة التعليم العربي لقرون وباعثة النهضة العربية طوال أجيال.

والحقُّ أن هذا الإنجاز انقاد لهذه المؤسسة التعليمية، رغم حداثة عهدها، بعد مشاركات عالمية وسمعة واسعة لم تعد لِتخفى على مراقبي ومتابعي التعليم في الوطن العربي، وهذه كلُّها مقوماتُ شهرةٍ لم تأتِ من فراغ ولم تكن مجرد صدفة، بل كانت من تجلّيات استئناف الحضارة في الوطن العربي بفضل استراتيجية عمل فريدة تشكّل تاجاً لمبادرات الجامعة، وما درّةُ التاج في هذه الاستراتيجية إلا توجيهات سيدي سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي الرئيس الأعلى للجامعة.

لافتٌ اليوم أن تستحوذ هذه التجربة الحديثة على اهتمام مسؤولي وخبراء التكنولوجيا والاتصالات المصرية على أعلى المستويات، ويَرَوْها الأجدرَ ببناء نموذج للتعليم الذكي في العالم العربي. أقول إن هذا الأمر لافت لأنه لا ينكر إلا جاحد الدور الريادي لمصر في نهضة التعليم عربياً، ولأن الجامعة اليوم شريكة مساهمة بخبراتها مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية، من خلال مجموعة عمل مشتركة جمعت الوفد الوزاري المصري ومستشارين من وزارة التربية والتعليم في الدولة مع خبراء الجامعة.

في هذا السياق، تكون بداية استئناف الحضارة في عالمنا العربي، على الأقل في التعليم، قد حدثت منذ عرفنا أن الرهان على راهن التعليم خاسر، وتلك بديهية انطلقت منها الجامعة مع بداية الألفية الجديدة لمواكبة سرعة التطور الهائلة في كل ما حولنا، أي منذ أكثر من عقد، إذ كان لا بد من مؤسسة تعليم عربية تمتلك الخيال والجرأة على التشكيك بنظام التعليم التقليدي، وتقديم حلول ناجعة وواقعية لمشكلاته.

في ذلك الوقت تصدّت الجامعة الذكية لتلك المهمة، فكنا نرى في كل ما هو قائم في مشهد التعليم عَرَضاً من الأعراض المرحلية مصيره التخطي والتجاوز إلى ما هو مبتكَر ومبتَدَع ومستقبلي، وكان علينا صياغة مناهج جديدة بناء على قناعة مؤداها أن المعرفة العلمية والتقنية لا تشكل واقع التعليم فقط، بل تؤسس لواقع حياة مختلف كلياً.

وكما في سائر مجالات الحياة، لم يكن لدينا في حينه شك في أنه ما مِنْ ثابتٍ في قصة التعليم إلا التحول، حتى ما كان يُنظر إليه على أنه ثوابت مثل مواصفات أركان عملية التعليم تخطّاه الزمن وطواه النسيان، ولا عجب في ذلك بعد أن مررنا بحقبة من مَدٍّ جارف لتطور التكنولوجيا والاتصالات ما بَرِحَ يقوى زخمه ويشتدّ على مدى العقود السابقة، ذلك ما كنا نراه بعين الفكر عندما بدأنا نقرع ناقوس الخطر من استمرار واقع التعليم كما هو، وها نحن نراه اليوم بأمّ أعيننا.

إذن هي خطوات عملاقة خَطَتها الجامعة في مسيرة اختطتها باكراً لتأكيد ذاتها رقماً صعباً في مشهد التعليم العالي، ومقصداً عالمياً تسعى إليه كبريات المؤسسات لرقمنة التعليم، ولا أدل على ذلك من أنه لا يمكن لجامعة من الجامعات، بالغةً ما بلغتْ من نجاح، إلا أن تعتزّ بشراكتها مع مؤسسة من وزن الوزارة المصرية.

لطالما كان لهذا الإنجاز مؤشراته، وبعد أن خرج إلى حيّز الوجود لا بد أن له دلالاته، ومن أكثر دلالاته أهميةً أننا في طليعة السباق وعلينا تقع مهمة تحديد سرعته نحو إنشاء مؤسسات قادرة على مواكبة الحاجات الراهنة واستباق الحاجات المستقبلية لشباب هذه الأمة. ذلك بالضبط ما نسعى إليه: أن تكون الجامعة منارة التعليم الذكي في القرن الجديد، ولؤلؤة التعليم العصري: هديةَ دبي للعرب مع انطلاق عصر استئناف الحضارة.